( بين قراءتين ) نشرة علمية تربوية

“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />

مـقـدمـة
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم؛و صلى الله وسلم على النبي الأمي سيد ولد آدم وعلى آله و صحبه وسلم ،، وبعد
يكاد أن يكون هناك شبه إجماع من التربويين على ضعف " المخرج التعليمي " أو " الناتج التعليمي " في المهارات اللغوية الأساسية ( القراءة و الكتابة و الحديث و الاستماع ) ؛ فإذا كانت الغاية من الدراسة ـ و خاصة في المرحلة الأولى ـ هي : أن يتحدث " المخرج التعليمي " بلغة سليمة مفهومة وأن يفهم ما يسمع وأن يقرأ ويفهم ما هو مكتوب فهماً سليماً , فإني أظن أن النتائج في مراحل تعليمنا العام تسير خلاف هذه الغاية . إن الشكوى عارمة وعامة من هذه القضية …(1)
و عند تأملنا للمهارات اللغوية السابقة نجد أن ( القراءة ) هي بابها و محورها، و هذا يعني أن التخلف في مسألة القراءة يدخلنا إلى دهاليز الأمية الأبجدية في أبسط صورها من أوسع الأبواب
أثبت بعض دراسات سابقة أن في الدماغ البشري قدرة فطرية على اكتساب اللغات يبدأ ضمور هذه المقدرة ما بين سن السادسة و السابعة. و إذا صح ما تمخضت عنه مثل هذه الدراسة فهذا يعني أن أمام ( الطالب ) جهد مضاعف:
1. تعلم المعرفة .
2. تعلم اللغة التي كتبت بها هذه المعرفة . (2)
و تعلم اللغة الجديدة ليس بالأمر الهين بعد أن أتخم الطالب باللهجة العامية .
و إذا ما تبلور ما سبق فإن علينا معاشر التربويين واجب سبر أغوار القضية المطروحة تنظيرا و تطبيقا قبل أن يتسع الخرق على الراقع .
بين قراءتين
لعل هذه اللمحة المتواضعة تسهم و لو بخجل في قضيتنا المطروحة على بساط النقد..
القراءة الصامتة: هي القراءة من خلال النظر المجرد دون صوت أو تحريك الشفتين ، و كأن العين وحدها هي التي تقرأ.
و قد أثبت بعض الدراسات أن هذه القراءة هي قراءة الفهم و الاستيعاب و إدراك المعاني و المضامين الفكرية للمادة المقروءة.
أما القراءة الجاهرة ( الجهرية ) : فهي القراءة التي تتم بصوت عال أو خفيض مع تحريك الشفتين .
و هي قراءة تساعد على الحفظ غالبا، و خاصة إذا تم ترديدها ؛حيث يتكون من الترداد رابط عصبي إضافي في العقل لتثبيت المعلومة المقروءة مع صوت نطقها و طريقة ترديدها و بعد ذلك استرجاعها و تذكرها ، فالعقل تتداعى فيه الذاكرة بروابط الصور و الأصوات و حتى الروائح .
ما سلف يعني فيما يعنيه الأمور التالية:
1.القراءة الجاهرة وسيلة للقراءة الصامتة .
2. القراءة الصامتة بحكم تعلقها بالفهم و الاستيعاب فهي الهدف المنشود . على خلاف السائد.
3. كل ما يطرأ على القراءة من تطوير ؛ من حيث السرعة و غيرها مرتبط بالقراءة الصامتة .
و على ما سبق يمكننا أن نطرح سؤالا مشروعا:
هل نخطئ معاشر المربين حينما نقدم القراءة (الصامتة) على ( الجهرية ) ؟
بمعنى آخر، هل نحن مصيبون عندما نجعل من الهدف وسيلة، فتصبح مهمتنا ( معكوسة ) مقلوبة ؟
لقد تعود و ألف كثير منا طريقة القراءة الصامتة ابتداء ، ثم تأتي القراءة الجاهرة …
و عندما يقع النظر على ( دفاتر ) التحاضير تجد البند الأول في عرض المادة المقروءة هو : القراءة الصامتة ابتداء . و هذه المسألة عامة في مراحل التعليم الثلاث.
و أعود و أقول أن المسألة في أغلبها مسألة ألف و تعود؛ و العقل ـ في أحايين كثيرة ـ يبقى زمنا متطاولا مجترا أو مزاولا لما ألف، مهما كان حظ هذا الألف من الخطأ و بعده عن الحقيقة.
إن تقديم الصامتة على الجاهرة في المرحلتين الأوليين ينتابه خطأ ليس بالهين ..
فإذا قرأ الطالب القطعة قراءة صامتة ـ آخذين في الاعتبار المستوى العام للطلبة في القدرة على القراءة ـ فإن بعض المفردات التي قرأها بشكل غير صحيح سيصبح لها مفهوما و مدلولا في النفس غير صحيح أو مخالفا لما عليه المفردات في الحقيقة. و إذا تغلغلت بعض المعاني في النفس فإنه ليس بالأمر الهين خروجها أو استبدالها ، وبعضها يبقى على الرغم من تصحيحها .
فهذا أحد الأصدقاء الفضلاء يقول :
كنت في مرحلة مبكرة أقرأ قول الله تعالي في سورة الكهف (( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا )) و أخطأت في قراءة ( إن ) و قرأتها ( إني ) و ارتسم المعنى التالي : قال موسى ـ عليه السلام ـ إني سألتك بعد الحادثة و لم أسألك قبلها أو أثناءها فلماذا لا تصاحبني . أو عبارة نحوها…
يقول و لم أستطع الفكاك من هذا المعنى ، و بقي معي ردحا من الزمن على الرغم معرفتي الصواب .
و على ما تقدم فإنه ينبغي تأجيل القراءة الصامتة إلى ما بعد الجاهرة ، مستعينين بالوسائل التقنية في ذلك . فالمقصود هو إتقان القراءة مع الفهم و الاستيعاب ؛ فالقراءة ( الجهرية) تمهد الطريق وتبين للطلبة المفردات نطقا و معنى ، ثم تفسح المجال للصامتة لتكمل المسيرة نحو الفهم و الاستيعاب .
فلنجرب جميعا القراءة الجاهرة المتبوعة بالصامتة ، ثم الطلب باستخراج الأفكار و المفاهيم ، و لنرى النتيجة بعد المحاولات المتعددة .
و إذا كانت القراءة الصامتة مختصة بالفهم و لاستيعاب على الأغلب ، فإن القراءة (الجهرية ) اختصاصها أيضا من خلال الحفظ ، كما تقدم .
و لقد قمت بتجربة ترديد الأبيات الشعرية على بعض الفصول في الصف الأول ثانوي في مدرستي ، و تخليت عن هذه التجربة في بعض الفصول عمدا ، فوجدت نتائج جيدة في عملية الحفظ لمن خضعوا للتجربة ، بينما كانت النتيجة دون المستوى لمن كانوا خارج التجربة .
و لعل هذا يؤكد ما ذهبنا إليه في المقدمة : من أن القراءة الجاهرة تساعد على الحفظ ، و خاصة إذا تم ترديدها ؛حيث يتكون من الترداد رابط عصبي إضافي في العقل لتثبيت المعلومة المقروءة مع صوت نطقها و طريقة ترديدها و بعد ذلك استرجاعها و تذكرها ، فالعقل تتداعى فيه الذاكرة بروابط الصور و الأصوات و حتى الروائح و هذا ما أثبتته دراسات سالفة.
و النتائج ستكون أفضل بكثير إذا تم إنشاد هذه الأبيات . فالشعر العربي أغلبه من الشعر الغنائي، و لعل هذا ما يفسر لنا على وجه من الوجوه حفظ الشعر العربي في الصدور.
تمت النشرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) للاستزادة انظر كتاب " مع التحية إلى معلم العربية " لكاتب هذه السطور .
( 2 ) انظر تجربة الدكتور : عبد الله الدنان في تعليم العربية الفصحى بالفطرة و الممارسة .
(3) لتطوير النشرة مراسلة الكاتب : awwad1415@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.