* أن الاعتكاف فرصة عظيمة لطلبة العلم الذين اشتغلوا بتحصيله

“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />

الاعتكاف وتربية الذات على اتباع الأسلاف

لقد شرع الله لعباده كثيراً من الطاعات التي تجمع على المرء الجوارح والقلب
لينشغل بعبادة الله تعالى وحده … وإن من أجلّ هذه الطاعات تلك السّنّة التي يخلو
المرء فيها بربه خاضعاً فيناجيه معترفاً ، وينصرف بها عن الدنيا فتزكو نفسه
وتسمو ليصبح إنساناً ربانياً ، إنها السّنّة التي حافظ الرسول عليها طوال حياته ..
إنها سُنّة الاعتكاف .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (كان النبي -صلى الله عليه وسلم-
يعتكف كل رمضان عشرة أيام ؛ فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعكتف عشرين
يوماً) .
لقد حرص رسول الأمة على هذه العبادة رغم أن انشغاله بالدعوة والتربية
والتعليم والجهاد .. تاركاً لمن بعده ممن يقتفون أثره وينتهجون نهجه درساً عظيماً
في أهمية الانقطاع إلى الله عز وجل والتحرر من المشاغل والمسؤوليات كائناً من
كان صاحبها في الدعوة والعلم . ولا شك أن هذا الاعتكاف ما شُرع إلا لحِكَمٍ عظيمة ، لعل منها :
* زيادة الصلة الإيمانية بالله ، والجوانب العبادية التي تزكي النفس وتجعل
المرء أكثر قدرة على مواجهة فتن الدنيا والعمل على استنقاذ الآخرين منها .
* أن الاعتكاف فرصة عظيمة لطلبة العلم الذين اشتغلوا بتحصيله ومن ثم
تعليمه ؛ وهذا لأمرين مهمين :

على صاحبه .

عن ذلك .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (مثل
الذي يُعلّم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها) .
* أن سنة الاعتكاف فرصة كبرى للدعاة والمربين من جهتين :

بالخلْق ، وزيادة صلتهم بالخالق .

المدعوين والمتربين إلى مراتب أسمى .
فهذه بعض الحكم الظاهرة التي يمكن أن يستفيد منها أهل النظر لتصبح مسار
كثير من شباب الصحوة خلال أيام قلائل .. موجّهين كانوا أو موَجّهين ممن يُرتضى
دينه وخُلقه وعقله .
إن من أهم أسباب طرح موضوع الاعتكاف من الجهة التي سيراها القارئ
الكريم ، ثلاثة أمور رئيسة :
الأول : حالة الضعف العام في همة الصالحين فيما يتعلق بالجوانب التعبدية
والسلوكية
يقول ابن الجوزي رحمه الله : (أعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم ، لا
نرى فيهم ذا همة عالية فيقتدي إليها المبتدئ ، ولا صاحب ورعٍ فيستفيد منه
المتزهّد) .
فإذا كان رحمه الله يتحدث عن أهل زمانه فلا شك أن الخطب أعظم في زماننا
الذي فُتِحت فيه الدنيا من أوسع أبوابها . والله المستعان . ولا شك أننا بحاجة لانتهاز
فرصة الاعتكاف في تحسين الصورة العامة عن طريق مخاطبة الأفراد .

الثاني : أن السنة دلت على أهمية الانقطاع عن الناس في خلوة مع الله ؛
لتنطلق الأنفس بعد ذلك في الدعوة وتحمّل الأعباء . قال صاحب الظلال : (لا بد
لأي روح يُراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى .. لا بد
لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت .. ) إلى أن يقول : (فالاستغراق في واقع
هذه الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له ، فلا تحاول تغييره . أما الانخلاع منه فترة
والانعزال عنه ، والحياة في طلاقة كاملة من أسر الواقع الصغير ومن الشواغل
التافهة ؛ فهو الذي يؤهل الروح الكبير لرؤية ما هو أكبر منه ويدربه على الشعور
بتكامل ذاته بدون حاجة إلى عُرف الناس … ).
ولكن إذا كانت هذه إحدى الغايات العظيمة لهذا الانقطاع أي الاعتكاف ..
الثالث : أن الاعتكاف فرصة عظيمة لاختبار الإخلاص المحض لله في كل
الأعمال والحركات والسكنات .. وهذه النقطة وإن بدت ابتداءً أنها فردية بالدرجة
الأولى إلا أن أهمية طرحها هنا تأتي من خلال معرفتنا بأن الإخلاص هو مدار
قبول جميع الأعمال الموافقة للشريعة .
ومنها كل ما يتعلق بالدعوة والتربية
والتعليم.. وإنه لمن الخسران العظيم أن
تنفق الأموال وتبذل الجهود ثم يكون المانع من

تحقيق الأهداف المطلوبة شرعاً دَخَلٌ في إخلاص العاملين .. ولما كان تحقيق
الإخلاص من الصعوبة بمكان في أوساط الجماعة الواحدة قال سهل بن عبد الله :
(الدنيا جهل وموات إلا العلم ؛ والعلم كله حجة إلا العمل به ؛ والعمل كله هباء إلا
الإخلاص ؛ والإخلاص على خطر عظيم حتى يُختم به) .
وحُكي عن أحدهم أنه شعر بخجل عظيم من الناس عندما صلى يوماً في
الصف الثاني ، فعلم أن راحة قلبه في الصلاة في الصف الأول كانت بسبب نظر
الناس إليه . وهذا من الدقيق الغامض الذي يغفل عنه الكثير من الناس .
فلما كان الأمر كذلك كان الاعتكاف فرصة عظيمة لاختبار الإخلاص .

لقد بلغ السلف الصالح في جوانب العبادات غايات يستصعب ضعاف الهمم
السعي إلى مقاربتها فضلاً عن الوصول إليها .. وأذكر هنا نماذج لحال السلف في
عبادتين عظيمتين هما :

مع التركيز على ذكر إمكانية اللحاق بهم رحمهم الله باستغلال فرصة
الاعتكاف .

قال مالك بن دينار رحمه الله : (ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل
فليس شيء من الأعمال أقل مؤونة منه ولا أعظم لذة ، وأكثر فرحة وابتهاجاً
للقلب) .
وقال ابن القيم رحمه الله : ( وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر
ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إليّ وقال : هذه
غدوتي ولو لم أتغد سقطت قوتي ، (أو كلاماً قريباً من هذا) ، وقال لي مرة : (لا
أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وراحتها ولأستعد بتلك الراحة لذكر آخر أو كلاماً
هذا معناه) .
وقال شيخ الاسلام رحمه الله مبيناً أهمية بقاء المرء في ذكر دائم : (الذكر
للقلب كالماء للسمك ؛ فكيف يكون حال السمك إذا خرج من الماء ؟ ) .
لقد جاءت السنة بأذكار كثيرة متنوعة وذكرت فضلها وما أُعد لصاحبها من
الثواب .. بل إن الإمام ابن القيم رحمه الله عدّ في (الوابل الصيب) ثمانين فائدة في
الذكر .. ولا شك أن الناس إلا من رحم الله على جانب كبير من التفريط في
المداومة على ذكر الله في كل حال .. لذلك لم يصلوا إلى اللذة التي يستشعرها
الذاكرون الله كثيراً .
قال بعض العارفين : (وإنه لتمر بي أوقات أقول : إن كان أهل الجنة في مثل
هذا إنهم لفي عيش طيب) . وإن الاعتكاف فرصة عظيمة يحسن بالمرء
استغلالها ليصل إلى مرتبة عالية ؛ فيكون لسانه رطباً من ذكر الله تعالى . ليس
للمعتكف شغل عن أذكار الصباح والمساء التي فرط الناس فيها إلا من رحم الله ،
وليس له شغل عن أذكار الأذان والنوم والاستيقاظ ،
والخروج والدخول إلى المسجد ، وأذكار الطعام
والشراب ، والأذكار المطلقة الكثيرة المتنوعة .

يستطيع المعتكف أن يحرص على كل
ذكر منها في وقته ويحاسب نفسه على

ما فاته ، ولا يدع نَفَساً من أنفاسه يخرج بغير
ذكر الله تعالى .. فمن كانت هذه حاله

في عشرة أيام متواليات رُجي له الخير العظيم
بفضل الله وتوفيقه .

ألا وإن من أعظم الذكر كما هو معلوم قراءة
القرآن الكريم . قيل لأخت مالك

بن أنس : (ما كان يشتغل مالك في بيته ؟
قالت : المصحف في بيته) . قال أبو بكر

الأوسي : (كان مالك قد أدام النظر في المصحف قبل موته بسنين ، وكان كثير
القراءة طويل البكاء) .
قال الطحاوي : (سمعت عن أحمد بن أبي عمران يحكي عن بعض أصحاب
محمد بن الحسن ، أن محمداً كان حزبه في كل يوم وليلة ثلث القرآن) .
فهؤلاء رحمهم الله كانت قراءتهم كثيرة في سائر أيام صيامهم ، ووردت عنهم
وعن غيرهم من السلف زيادة الاهتمام بكتاب الله في رمضان .
فعلى العاقل أن يجعل من اعتكافه فرصة لتقوية علاقته بكتاب الله تعالى قراءة
وتدبراً وخشوعاً وفهماً .. ولا شك أن الاكتفاء باستعراض كتاب الله كله مرة واحدة
فقط في هذه الأيام العشرة يُعد من التفريط ؛ إذ فيم سيمضي المعتكف وقته إن لم
يمضه في تلاوة كتاب الله تعالى ؟
جاء عن الحسن أنه قال : (أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على
درهمه) .
فلو حرص المرء على لحظات اعتكافه ألاّ تنقضي إلا في ذكر وتلاوة لكان
لاعتكافه لذة وحلاوة ، ولأصبح من السهل عليه أن يتشبه بالسلف الصالح .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
ولعل مما تجدر الإشارة إليه أن من ثمرات المداومة على ذكر الله في الدنيا
أنها تعطي الذاكر قوة تعينه على زيادة عمله خلال يومه .. فقد ثبت أن الرسول علّم
ابنته فاطمة وعلياً رضي الله عنهما أن يُسّبحا ويحمدا ويُكبّرا كل ليلة إذا أخذا
مضجعهما ، ذلك لما سألته أن يحضر لهما خادماً ، وقال لها : (إنه خير لكما من
خادم) .
فقيل : إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم .
والمعكتف بحاجة لهذه القوة حتى يستعين بها على الزيادة من العبادات في هذا
الموسم .
: أهمية تعظيم حرمات الله مكاناً وزماناً .. إذ ربما يجهد المرء للعلاج
ثم يُحرم الخير بتهاونه في هذا الجانب الناتج عن طول المكث والاعتياد .
قال أبو عبيد القاسم بن سلام : (كنت مستلقياً في المسجد الحرام ، فجاءتني
عائشة المكيّة وكانت من العارفات ، فقالت : يا أبا عبيد ! لا تجالسه إلا بأدب ؛ وإلا
محاك من ديوان العلماء والصالحين) .
أسأل الله أن يعيننا على طاعته ويكتب لنا فيها القبول ، والله أعلم ، والحمد لله
من قبل ومن 1– أن العمل هو الثمرة والغاية الحقيقية للعلم ؛ وبدونه قد يصبح العلم حجة – أن العقلاء يرفضون أن يُعلّم المرءُ الناسَ ما فيه نجاتهم ثم ينصرف هو
1- تحقيق الحكمتين الأوليتين من سداد النقص الذي اعتراهم لانشغالهم
2- استغلال الفرصة للرقي بالمستوى الإيماني والتعبدي وغيرهما عند هؤلاء
1- مداومة ذكر الله . 2- الصلاة .. 1- المداومة على ذكر الله :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.