“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />
ولم يكن عندي صفة أتميز بها عن غيري إلا السرعة في الجري، فقد تسابقت مع الكثير ولم يسبقني أحد، وكنت مضرب المثل بالسرعة.
الفت النوم بالصحراء واحيانا انام لوحدي لأنني اكره البيوت والمكيفات
(ومع حبي للنوم في الصحراء الا أنه بعد الزواج تم منعي من النوم وبقوة القانون النسوي )
ومع الأيام كبرنا ووصلت المرحلة الثانوية ولم أعرف السفر بتاتًا، وكنت أحرج عن سؤال بعض المعلمين مع بداية العام الدراسي عن مكان قضاء الإجازة، فمكة لم أذهب إليها إلا في ثاني ثانوي، وتخرجت من الثانوية ولم أر الرياض، كنا كعائلة لا نعرف السفر بتاتًا، نعيش بين الناس وكأننا في عالم آخر، وذات ليلة كنا مستعدين لرحلة برية يوم الخميس وإذا بالباب يُطرق الساعة الحادية عشر ليلاً، وإذا هو ابن عمي حسين محمد صالح العواجي، وكان في ذلك الوقت طالبًا في جامعة الملك سعود بالرياض كلية الهندسة، وكنا نعتبره متطورًا، فقال: أريد أن أذهب غدًا إلى مكة، وأريدك أن تذهب معي.
كان الخبر صدمة قوية بالنسبة لي! فلم استوعب الخبر من شدة الفرح! فذهبت إلى أبي واستأذنته فأذن لي وأعطاني (400) ريال، فكان الموعد غدًا صباحًا، بت تلك الليلة وأنا في غاية السعادة! كنت أشعر أن حدثًا عظيمًا سيحدث في حياتي، لم أنم تلك الليلة من الفرحة، ذهب أهلي إلى الرحلة البرية صباحًا، وبقيت لوحدي أنتظر ابن عمي لكي نذهب سويُّا إلى مكة، ومن الحماس كنت جالسًا عند الباب الخارجي، تأخر عني فخفت أن يكون غيّر رأيه، مرت بي حالة من عدم الاستقرار والخوف والقلق كدت أن أبكي!!
فجأة سمعت الهاتف يرن وكان في غرفة مقفلة، وتكرر رن الهاتف، قلت: لعل ابن عمي هو الذي يتصل لكن الباب مغلق، ولما تكرر رن الهاتف أتيت مسرعًا وبحركة خاطفة ضربت الباب برجلي وكسرت القفل، وانفتح الباب، ورفعت السماعة وإذا به ابن عمي، وقال لي: سوف نتأخر في السفر إلى الظهر، حمدت الله وبقيت أنتظر الظهر وكأنه سنة كاملة، أتى الظهر وقدم ابن عمي وكان معه الأستاذ الفاضل على بن رشيد الطياح، والأستاذ خالد عبد الله الخميس، والأستاذ سليمان عبد الله الخميس، ركبت معهم وكنت في غاية الفرح والسرور، في لحظات لا يمكن أن أنساها انطلقنا إلى مكة، وكنت طوال الطريق انظر إلى الدنيا وإلى القرى والجبال، فلأول مرة أمكث في السيارة أكثر من ساعتين، سرنا واستمر سيرنا وقطعنا الفيافي والقفار، والحياء منعني من الأسئلة عن كل منظر جديد في حياتي، كنت أفكر بأني إذا رجعت سوف أتحدث عند أهلي عن السفر والتعب والمحطات والسيارات الثقيلة، لم يأتيني النوم لحظة واحدة حتى غابت الشمس، ودخلنا الجبال في طريق الطائف (السيل)، فخفت خوفًا شديدًا من تعرج الطريق ومظهر الجبال بالليل، كنت جائعًا جدًّا، ولكني أستحيي أن أتكلم، وكلما وصلوا مطعمًا أفرح كثيرًا، وأدعوا الله أن يقفوا عنده، جلسنا على العشاء، فأكلت بحياء شديد وأنا جائع، وصلنا السيل ولبست الإحرام لأول مرة في حياتي، انطلقنا إلى مكة في لحظات نقشت في حياتي نقشًا، فكنت مندهشًا من المباني السكنية الطويلة والشوارع المزدحمة، وصلنا إلى الشقة، وركبت المصعد لأول مرة، فكنت خائفًا ولو لا الحياء لرفضت الركوب بتاتًا!!
في تلك الليلة كنت مرهقًا جدًّا، وفي الصباح أخذ بيدي الأستاذ الفاضل علي بن رشيد الطياح وانطلقنا للحرم، فوقعت عيني على الحرم لأول مرة في لحظات غريبة، وقلت: سبحان الله هذا الحرم الذي كنت أشاهدة في التلفاز، أخذنا العمرة وأنا أشعر أني إنسان آخر، وكانت يدي بيد الأستاذ علي الطياح وقد علمني كل ما أحتاجه في العمرة، بقينا في مكة ثلاثة أيام، ثم رجعنا إلى الرس، بعدها أخذني بيدي ابن عمي حسين العواجي، وسجلني بحلقة التحفيظ، لكني لم أستمر، فأخذني مرة أخرى وسجلني في حلقة ثانية وقال: أنت لديك ملكة حفظ استغلها في حفظ القرآن، وفي الإجازة أخذني بيدي وسجلني في المركز الصيفي، وكنت كأخيه الصغير، وكان أفراد المركز يعتقدون أني أخ لحسين العواجي، والأستاذ علي بن رشد الطياح رشحني للذهاب إلى رحلة أبها الختامية، وظل متواصلاً معي بالرسائل البريدية الأخوية وهو في الرياض، وكان كثيرًا ما كان يهدي إلي الأشرطة التربوية والمحاضرات.
بعدها تحول سير حياتي من قروي همه لا يتجاوز أنفه إلى طالب حلقة تحفيظ، بقيت في الحلقة أربع سنوات، ثم درّست فيها ثلاث سنوات، بعدها التحقت بالمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالرس ثلاث سنوات، وفي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سنة كاملة بعد تخرجي من الجامعة، ثم تم تعييني معلمًا في محافظة العلا، وهناك كنت عضوًا في مكتب الدعوة وجمعية البر في محافظة العلا، ولما رجعت إلى الرس التحقت بجمعية البر مساعد مدير سنتين، ثم مديرًا للمستودع الخيري بالرس سنتين، والآن في مؤسسة مكة المكرمة الخيرية، كل هذه المسيرة في العمل الخيري الفضل لله ثم لابن عمي حسين محمد صالح العواجي، الذي لولا الله ثم لولاه لبقيت منزويًا على نفسي في المزرعة، فجزاه الله عني كل الخير، وجعل ذلك في موازين أعماله.
</b></i>