تخطى إلى المحتوى

بيوتنا تهدم من الداخل

“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />

منقول—–

بيوتنا تهدم من الداخل

حسين بن سعيد الحسنية

لقد جاءت الشريعة الإسلامية وهي تحمل مضامين خير وعناوين سلام للإنسانية جمعاء , جاءت تعلن بأن أفرادها هم خير أمة أخرجت للناس , جاءت لتقيم قواعد العدل وأسس البناء الطاهر , جاءت لتنقي النفس البشرية من الأحقاد والضغائن المتتابعة , جاءت وهي قد كفلت للأسرة المسلمة مقومات الحياة ومعالم العيش الهانئ وسبل السلام من الانحلال والغوص في ميادين الشياطين المنتشرة في هذا العالم الفسيح , جاءت وهي تحمل " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " الإسراء81 , وتنص على " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون " المؤمنون115 .

لقد فرض الله جلا وعلا هذا الدين على عباده من الإنس والجن , وأمرهم بإتباع أوامره واجتناب نواهيه عن طريق وحيه الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم , ومما فرض وجوب الاهتمام بأمور الأسرة المسلمة والعناية بحاجياتها , والوقوف على ما يعكر صفو مسيرتها , فأوجب طاعة الزوجة لزوجها , والحرص على أولاده وبيته عند مغيبه والسعي لإرضائه , وإمتاعه وإدخال السرور إلى قلبه وأن تكون سكناً هادئاً وهنيئاً له , وأوجب على الزوج النفقة على الزوجة والأولاد , والسعي في كسب العيش لهم , وحماية بيته وأسرته من الأفكار والفتن والشرور , وما ذاك كله إلا لأهمية البيت المسلم في الإسلام , فمنه تنطلق أجيال الأمة ومن خلاله يسود الاستقرار والأمن في المجتمع كله وهو الركيزة الأساسية التي يبنى عليها عز الإسلام وفخار المسلمين .

إلا أن هذا البيت يواجه حرباً شعوا من أعداء الملة والدين , والذين لا هم لهم سوى الهدم والتخريب , يعملون جاهدين على أن يفككوا أواصره , ويهدهدوا معاقله ويزلزلوا مبانيه , فتارة يطالبون بحرية المرأة , وتارة يعملون على تذويب العقيدة في قلوب الشباب , وتارة يسعون إلى إدخال المحرمات بحجة الانفتاح والتمدن .

وها نحن نرى التشجيع على منح القوامة للمرأة وضرورة إشراكها للرجل في مجال العمل , وتلقين الأبناء دروساً في العقوق والعصيان لآبائهم , ومحاولة مسخ هذا الدين بحجة أن هذا ضرب من ضروب الفكر والثقافة .

ومع كل هذا إلا أنه وللأسف الشديد فقد استجابت كثير من البيوت المسلمة لهذه الهجمة الشرسة عليها من أهل الزيغ والفساد فهدمت بيوت كثيرة ورضخ أهلها لما أتى به الأعداء فأصبحوا عوناً لهم على دينهم وأمتهم ومجتمعاتهم , وأدرك العقلاء أن العدو يضرب في مقتل , وأن ضحاياه تتضاعف يوماً بعد يوم وأن لا حل ولا سلامة إلا بإتباع منهج محمد صلى الله عليه وسلم وهو المنهج السماوي الطاهر الشريف , وأدرك العقلاء أيضاً أن ( بيوتنا تهدم من الداخل ) والهدم من الداخل إعلان بهدم خارجي مؤلم .

إن الهدم لبيوتنا لا يعني انقضاض الجدر , وهويان الأسقف , وتكسر الأبواب والنوافذ , لا.. إن الهدم الذي أعنيه هوت موت الغيرة في القلوب , والرضا بنفوس ضعيفة , والسير خلف ما رسمه أهل الشر من خطط شهوانية قذرة , وإهمال ساكني تلك البيوت وعدم السؤال عنهم والتماس حاجاتهم وتلبية طلباتهم ومحاولة القرب منهم .

الهدم لبيوتنا هو تمييع أصول الدين , وتهميش ثوابت العقيدة , ومحاربة السنن الإلهية من أولئك الذين لا يريدون لبيوتنا الاستقرار , ولا يعجبهم حفاظنا على أعراضنا , ولا يروق لهم سماحة إسلامنا وعالميته , فتراهم بين الحين والآخر يجهّزون ويجهزون , ويُعدُّون ويعتدَون , " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله أن يتم نوره ولو كره الكافرون " التوبة (32) .

ومن أسباب هدم بيوتنا من الداخل .


أولاً /
البعد عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعدم تطبيق ما أمر الله به من أوامر إلهية سمحة وتعاليم غراء تكفل حماية البيت المسلم من كل خطر محدق به , ومن كل شر ينوي الدخول إليه فـ" إن الله يدافع عن الذين آمنوا…" و" الله ولي الذين آمنوا" , والعودة إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أمرٌ لابد منه وواجب على كل مسلم فهما المنقذان من الفساد والضلال , والمخلصان من حبائل الشيطان , وبهما تستقيم النفس , ويربو الهدى , وتُبنى مخافة الله جل وعلا في القلوب , وتزرع خشيته ومراقبته في الأفئدة , وتصان الأعراض , وتحمى البيوت , ويندحر الشيطان ويزهق كيده إن كيده كان ضعيفا , قال عليه الصلاة والسلام :" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي … " .

ثانياً /
جدية الشيطان الرجيم في معركته الضارية والمستمرة مع المؤمن , والتي بدأت بإصراره ـ أخزاه الله ـ على ملاحقة المؤمن في كل حال , وعلى إتيانه له من كل صوب وجهة وعلى إتباعه له في كل ساعة ولحظة , وإتيانه من ناحية الضعف ومداخل الشهوة , وهذا ما عاهد به ربه حينما أنظره الله إلى يوم القيامة فـ"قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم , ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " .

ومن نتائج هذه المعركة أن تفنن الشيطان في إغراء أفراد الأسرة المسلمة فزيّن لهم المعاصي فارتكبوها , وأغراهم بالزينة والمتاع والهوى فاتخذوها سبل لإشباع رغباتهم , واستسلموا لما يريد فأصبح الآمر الناهي في بيتٍ أهله مسلمون , ولشرعِ الله منتمون .

ثالثاً /
إدراك عملاء إبليس أهميّة البيت المسلم وأنهم متى ما ركزوا حربهم عليه واستطاعوا أن يهدمونه بخططهم الوقحة فإن ذلك يعد نصراً لهم مؤزرا , فأدخلوا قنواتهم الفضائحية ومجلاتهم الشهوانية , وألعابهم التي تعلم الأبناء حب الجريمة وعشق العداء , وعملوا على دعوة تلك البيوت بأن تكون بيوتاً مستقبلة للانفتاح , متقبلة لمسيرة العالم , ومواكبة لاختراعاته واكتشافاته , وجميعنا يعلم بأن ذلك لا يمت للحضارة بصلة , ولا يرتبط بالتقدم مطلقاً , بل إنها دعاوي للمرجفين , وادعاءات لأهل الباطل الملحدين , الذين لا هم لهم سوى هدم بيوت المسلمين .

رابعاً /
استجابة أهل الإسلام لإبليس وأعوانه تجاه تلك الخطط , فتجد من قبل بدخول القنوات التي تدعو إلى الانحلال والتفسخ إلى بيته , وتجد من قبل بخروج نساءه وبناته من البيت في أي وقت وبلا حاجة ودون رقابة أو سؤال يذكر , وتجد من يسكن الحرام في بيته , وتأوي المعصية في منزله ولا يحرك ساكناً وكأن الأمر لا يعنيه , بل إن الأدهى من ذلك اعترافه بأن تلك الممارسات من أساليب التربية الصحيحة , وأن الشدة والقوة قد ذهب عصرها , وولى دهرها , وما علم المسكين بأن ذلك من ضعف شخصيته في بيته , ومن عدم مبالاته بأسرته ومحارمه , وكان من الواجب أن يحمل كل فرد من أفراد هذه الأمة هم بيته وأسرته وأن يعيش لأجل هذا الهم حتى الموت ( فالهم الذي لا يستحق أن نموت من أجله لا يستحق أن نعيش من أجله ) ولتعلم أن حملك لهمّ بيتك هو حملٌ لهمّ الأمة جمعاء , وما ذاك إلا لأن البيت المسلم هو اللبنة الأولى من لبنات أٍساس هذا الدين العظيم .

خامساً /
القصور في دور المربين والمعلمين والدعاة وأولياء الأمور في عدم توعية المسلمين بشؤون بيوتهم , وتعريفهم على أهميتها ودورها في مسيرة هذا الدين الخالد , والاهتمام بشأن الأسرة المسلمة وتعليمها أمور دينها , بل إنك تجد وللأسف الشديد من أولئك المربين أنفسهم من غفل عن هذا الجانب وأصبح ضحية تضاف إلى ضحايا سبقته وأُلقي بها في مستنقع الأهواء والرغبات الشيطانية , وعلى هؤلاء جميعهم العودة إلى العناية بالبيت المسلم إذْ لابد أن يكون من أولويات اهتماماتهم , ومن أبرز مشاغلهم وذلك من خلال محاضراتهم ودروسهم ونشاطاتهم التربوية والدعوية , وأن يستغل كل منهم مكانته في مجتمعه بكل ما هو إيجابي ونافع كبث روح المحبة بين أفراد الأسرة الواحدة , ومضاعفة أواصر اللقاء والأخوة بين أعضاء المجتمع ككل .

أيها الغيورون ….

بيوتنا تهدم من الداخل

فهل وعيتم ما قرأتم ؟

وهل من تحرك بعد هذا التأمل ؟

_________________________________
هي الايام كماشاهدتها دول من سره زمن ساءته ازمان

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.