تخطى إلى المحتوى

د. عبدالمجيد حميد الكبيسي : منظومية التربية القرآنية (رؤية منهجية)

“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />


منظومية التربية القرآنية (رؤية منهجية)

(الحلقة الثالثة)

[التربية القرآنية وأهميتها]

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي

ثامنا. التربية القرآنية :

من المتعارف عليه أنّ مصادر التربية الإسلاميّة كما مر بنا هي مصادر التشريع الإسلامي، وهذا يعني أنّ التربية القرآنيّة جزء من التربية الإسلاميّة، بل هي أساسها وأصلها؛ باعتبار القرآن الكريم هو روح التربية الإسلاميّة وركنها وأساسها.. وعليه يمكن القول إن التربية القرآنيّة هي: "التربية الشاملة القائمة في كلّ جانب منها على القرآن الكريم المنبثقة من تعاليمه ومفاهيمه." فالتربية القرآنية تقوم على تعريف الإنسان بنفسه ، و بالمكونات المحيطة به ، و تجعل من الإيمان بالله و اليوم الآخر نقطة الإرتكاز في التعامل مع كل شيء .

والتربية القرآنية تذكر الإنسان بالنعم وتوجهه إلى المنعم، كما تلفت نظره إلى المخلوقات، ليعرف من خلالها رب الأرض والسموات. وإن أساس هذه التربية هو الإيمان بالله رباً وإلهاً واحداً أحداً لا شريك له ولا ند ولا مثيل. وبهذا الإيمان يكون صلاح الفرد والمجتمع والخير كله.

وعلى ضوء المعطيات السابقة – يمكن تعريف التربية القرآنيّة بأّنها:
"المنهج القرآني الذي أودعه الله – عزّ وجلّ- في كتابه لصياغة الإنسان وتوجيهه ورعاية جوانب نموّه المختلفة بما ينسجم مع فطرته وضمان سعادته في الدنيا والآخرة "..

وهذا يعني أنّ التربية القرآنيّة بمنهجها ومبادئها وأساليبها ووسائلها مستمدّة مستنبطة( بما
استطاع العقل البشري استنباطه ) من القرآن الكريم، ولا يعني ذلك الإقتصار ( في منهجيّة البحث والدراسة عن التربية القرآنيّة) على النصّ القرآني، بل يمكن الإستناد إلى ما صحّ من الأحاديث النبويّة وكلام الصحابة والتابعين ممّا هو شارح وموضّح ومفسّر للنصّ القرآني.

ونجد التربية القرآنية، وهي التربية الأسمى بطبيعة الحال، قد سبقت ذلك الجهد البشرى في مجال زيادة الخصائص بقرون طويلة، فنلاحظ على سبيل المثال إن بعض الأساليب القرآنية التي استخدمت فيها صورة أي فكرة معروضة مع زيادة خصائصها تدريجياً، يتم الإفصاح في نهاية المشهد عن صورتها الكاملة المتكاملة ، وذلك لإحداث الأثر المطلوب .

و قد حشد القرآن الكريم من الأدلة على هذا الجانب الشئ الكثير ، فى الكون كله، مشاهده وعجائبه ، السماء والأرض وما فيهما وما بينهما تأتى تارة مجملة، وأخرى مفصلة.
وكما اتخذت من النعم الكثيرة المبثوثة لهذا الإنسان دليلا وحافزا له على الإيمان بالله فقد اتخذت من الإنسان نفسه منذ تكوينه وتطور خلقه ومرحلة حياته ومماته وبعثه ونشره أقوى دليل، إذ من الإنسان على نفسه دليل {وفي أنفسكم أفلا تبصرون } .(الذاريات :21)

كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم ) (معلم البشرية) في سلوكه قرانا يمشي على الارض ويربي صحابته بالقران ، فقد كان (صلى الله عليه وسلم ) على سبيل المثال يتخول أصحابه بالموعظة، ولا يثقل عليهم خوفاً من السآمة. وهذا الأدب النبوي أسلوب تربوي يعرفنا أن الزيادة عن الحد الطبيعي مملة، وقد تدفع المتعلم إلى رفض العلم والانصراف عنه. ويمكننا التعرف المماثل على غيض من فيض أسس المنهج التربوي للمعلم والمتعلم التي علمها محمد (صلى الله عليه وسلم ) للاجيال الصاعدة منها :

1. قيمة العلم ومكانته:
حيث يتضح ذلك من حديث ابن مسعود أن النبي قال: "لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها" .

2.إتمام العمل على خير وجه:
تجد ذلك في حديث عبد الله ابن عمر ، حيث يقول: تخلف عنا الرسول في سفرة سفرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته، ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثة.

3. جذب انتباه الطلاب بإشراكهم في الحديث:
في حديث ابن عمر ، عن النبي أنه قال:"إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن حدثوني ما هي ؟

4. الأدب في الحديث مع المعلم وعدم قطع كلامه:
في حديث أبي هريرة قال: بينما النبي في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة ؟ فمضى رسول الله يحدث، فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال أين أراه السائل عن الساعة ؟ قال ها أنا يا رسول الله. قال فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها ؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.

5. السماحة واليسر في المعلم:
عن أنس عن النبي أنه قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" .

6. مراعاة الفروق الفردية:
في قول النبي "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله" .

7. التكرار حتى يفهم الجميع:
فعن أنس أن النبي كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثة حتى نفهم.

8. الصبر والاحتمال من جانب المعلم ، والأدب والاستئذان من جانب المتعلم:
عن أنس بن مالك يقول بينما نحن جلوس مع النبي في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبي متكئ بين ظهرانيهم. فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له الرجل بن عبد المطلب، فقال له النبي قد أجبتك، فقال الرجل للنبي إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك، فقال: سل عما بدا لك. فقال أسألك بربك ورب من قبلك… الحديث .

9. يقظة المتعلم والانتباه التام:
فعن شريح أنه قال لعمرو ابن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قال به النبي : الغد يوم الفتح سمعته أذناى، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به ….. الحديث.

تاسعا.أهميّة التربية القرآنيّة :

تتوخى التربية القرانية تحقيق ثلاث غايات أساسية هي:

الغاية الاولى : معرفة الإنسان بكل أبعاده.

الغاية الثانية : معرفة الكون و علاقة الإنسان به.
الغاية الثالثة : معرفة الخالق، والإيمان به، وإفراده بالعبودية .
ومن هنا تأتي أهمية التربية القرآنية في :

1.أن التربية القرآنية للأفراد تتضمن منظومة قيميّة رفيعة المستوى تسير في نهجين متوازيين لاينفكان أبدا :

النهج الاول : يبدأ بالتنفير من عوامل السلوك السيء .
النهج الثاني : يبدأ بالجذب الى عوامل السلوك المستحسن .

2. تختلف التربية القرآنية عن التربية البشرية في عدة جوانب , أهمها :

2. 1.التربية القرآنية صياغة إهية محكمة لا تقبل جدلا , ولا يجري عليها تغيير وتتماس مع الخواص النفسية المركوزة في فطرة البشر , فكأنها صمام أمان للسلوك الانساني اذا ما حاول الخروج على الفطرة .

2. 2.التربية القرآنية كاملة : فهي وحدة واحدة تحمل كل مقومات البقاء والعطاء.

2. 3.التربية القرآنية تستغني بنفسها عن العلوم الأخرى , ذلك لأن القرآن صالح لكل زمان ومكان ، بل إنه متقدم على التطور والتقدم ،ومن ثم لاتحتاج تشرعاته الى أية مساعدة بشرية .

2. 4.التربية القرآنية كلية بمعنى أنها تنظم سلوك الانسان من حيث هو انسان .

2. 5.التربية القرآنية كونية عالمية , فهى تتخطى حواجز المكان , ولاتخضع للعوامل القومية والجغرافية والأيديولوجية .

3. وسائط التربية القرآنية : المثل ، القصة القرآنية ، الكلمة , حيث نجد الكلمة في السياق القرآني تؤدي وظيفة نفسية متعددة الأبعاد ( الترغيب – التنفير – اثارة الفزع – اثارة العطف والحنان ….) .

4. تكمن وتعظم أهميّة التربية القرآنيّة في أّنها مستخلصة من كتاب الله (سبحانه وتعالى) وأّنها تعاليم وتوجيهات من العليم الحكيم "الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما يُحّقق له السعادة والصلاح:
{أ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخبيرُ}( تبارك:14) ، وأنّ الوحي قد وضع لنا الأسس العامّة للمعرفة والفلسفة التربويّة، وشرّع لنا العبادات والمعاملات كمجالات للتدريب والتطبيقات العمليّة ، ولعلّ في العقيدة وفي تنوّع العبادات وتكاملها ما يكفي لبناء الإنسان الصالح المُصلِح.

5. اختصر لنا الوحي كثيرًا من تجارب الخطأ والصواب ووّفر علينا الكثير من إهدار الجهود والطاقات في مجال النظريّة الفلسفيّة.. ويبقى المطلوب أن نجتهد نحن في إبداع الوسائل والآليات التي من خلالها نصل بالإنسان إلى الإسلام وإلى درجة كمال النضج الإنسان . ذلك أن أهم مصادر المعرفة هو الوحي، وهو المصدر الوحيد عن عالم الغيب، مثلما أن العقل مصدر المعرفة عن عا

(للبحث صلة)

د. عبدالمجيد حميد الكبيسي

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.