“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />
الرياض – إبراهيم عثمان
رسمت المدرسة العربية بصورة مبدئية ثابتة، لتعليم اللغة العربية أن يحقق -ضمن ما يناط به تحقيقه- قدرة الطلبة على التحدث بالعربية الفصيحة في سهولة ويسر، وألحت على التزام معلم اللغة العربية بالفصحى في غرفة الصف، وفي مخاطبته لتلاميذه بصفة دائمة.
كل معلم .. معلم للعربية
وأضافت أن كل معلم لأية مادة هو معلم للغة العربية ولو بصورة غير مباشرة؛ إذ عليه أن يلتزم بالعربية الفصحى في أدائه، حتى يكون المعلمون قدوة صالحة لتلاميذهم، والقدوة الصالحة في التعليم لها دور عظيم يمكن أن نعول عليه. إلا أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال، بل هو مطمح عزيز التحقيق، فمعلم العربية يحاول ويحاول، ولكنه في أكثر الأحيان يقصر دون تحقيق الهدف؛ فليس هو في معزل عن ظروفه التي تحيط به، ولا تنتصف له في مقداره ولا في معاشه، ولا يستطيع المعلم بجهده الفردي أن يطور نهجاً أكاديمياً يكفل أداء العربية على أكمل وجه في الإحسان والطبعية، وليس هو قادراً وحده على تهيئة الشروط الإضافية التي تمكنه من ذلك.
ومعلمو المواد الأخرى -إذا حاولوا- لا يطيقون في أغلبيتهم، ولا تزال الكتب المدرسية غير محررة تحريراً سليماً محكماً بريئاً من اللحن وسقطات الطباعة، وكتب المواد الأخرى لا تحرر تحريراً لغوياً يكون عوناً للتلميذ في بناء لغته.
ويتشعب القول في مسألة تفصيح التعليم، حتى نكاد ننتهي إلى المعادلة بين الطموح إلى تحقيق كل شيء، والخروج من كل ذلك بلا شيء.
للمدرسة دور.. ولغيرها أكبر
وكان دور المدرسة في تعليم الفصحى، مظنة بحث بالنسبة لدعاة الفصحى، ومناط اهتمامهم، منذ قرن من الزمان؛ إذ رأوا أن تكون المدرسة مدخلاً لتعليم الفصحى والاقتصار عليها في غرف الدراسة، وتدريب التلاميذ على التكلم بها، وأن يحبب إليهم التحاور بها كلما اجتمع لفيف منهم، حتى ترسخ فيهم ملكتها، وتملك ألسنتهم دربتها.
وقد تنبأ حفني ناصف بأنه إذا اتبع هذا النهج، وضم إليه مطالعة الصحف والمجلات العربية، وسماع الخطب العلمية في الأندية العربية، والاستماع إلى الخطب العلمية في العظات الدينية، ومشاهدة التمثيليات ومواقف المرافعات، وتعليم الفتيات واحتذاء أساليب المنشئين، وطبع كتب المؤلفين المبرزين فإن اللغة العامية تنقرض في أقل من عشرين سنة، وتخلفها اللغة الفصحى، ويرجع اللسان العربي إلى عصر مجده وأيام سعده.
التحدث بها في الفصل أمر مرغوب مطلوب
وأول ما نحاول إثباته هنا ليكون منطلقاً في قول منتظم على صعيد التعليم، هو أن استعمال الفصحى في غرفة الصف أمر متقبل تماماً بل إنه هو الأمر الطبيعي. فقد أصبحت غرفة الصف من المواقع التي أقرت لها المؤسسات الاجتماعية جميعاً بأنها من مواقع الفصحى.
يشترط ذلك القائمون على التعليم، ويؤيده عامة الناس، وأولياء الأمور، ويتوقع ذلك الطلبة ويتقبلونه ويقبلون عليه. بل إن استعمال المعلم أو الطالب للمهنة المحكية (العامية) في غرفة الدرس- غالباً ما يلقى استهجاناً، ويقابل بالغمز واللمز.
إن الخصوصيات اللهجية التي تند من المعلم أو الطالب تمثل لهجة مستهجنة. كما أن المحيط المدرسي والاجتماعي ليس سلبياً نحو تعليم اللغة العربية؛ فالطلبة يتطارحون المسائل الخلافية في النحو والإملاء، ويتثبتون من دلالات الألفاظ، ووجوه الأعاريب وهم متحفزون لكل خطأ يعرض مبادرون للاعتراض عليه وتصحيحه.
بالتعليم والاكتساب
وللتعليم أساليب وللاكتساب أساليب أخرى.. التعليم عملية إضافية تضاف إلى الإنسان، والاكتساب عملية طبيعية تكون جزءاً عضوياً من الإنسان، تسعى إلى إيجاد تآلف بين اللغة والمحيط.
وإذا علمنا أن العامية تكتسب أولاً، ثم تُعلَّم الفصحى علمنا كيف تؤثر العامية تأثيراً سلبياً في رسوخ الفصحى لدى المتعلم ودرجة تمكنه منها، ذلك أن الطفل الصغير يستوعب خلال سنتين إلى ثلاث سنوات من حياته، بعد سنة واحدة من السكوت أية لغة. وبعد مرور سنتين يستطيع استيعاب لغة أخرى أجنبية بسهولة واضحة ويسر غير مكلف إذا اختلط بأصحاب هذه اللغة الثانية الأصليين، وبعد مرور سنتين إلى ثلاث سنوات يستطيع استيعاب لغة ثالثة، في حين أن المراهق الذي يدرس خلال سنوات طويلة على أساتذة مجربين، وفي كتب دراسية «جيدة» متمتعاً بأشرطة «مسجلة».. لا يتحلى بمثل هذه الفعالية اللغوية.. لدى الطفل.
وتفضي هذه الفعالية اللغوية عند التلاميذ إلى ازدواجية في التعبير بحيث تكون العامية المكتسبة هي لغة الحديث، ذلك أن الكبار يتحدثون إليهم بالعامية، كما أن التلاميذ يستعملون العامية عندما يتحدث بعضهم إلى بعض.
ثم يجدون أنهم يجاهدون لإحلال الفصحى محل العامية، وجعلها تؤدي وظائف العامية في التعبير الشفهي.
وما دام التلاميذ قادرين على استيعاب لغة أجنبية في وقت قصير لا يتجاوز ثلاث سنوات؛ إذا هم اختلطوا بأصحابها الأصليين، فهم على اكتساب الفصحى التي هي لغتهم.. أقدر إذا وجدوا أساتذتهم في غرف الدراسة يقيمون وجهها، ويوظفونها التوظيف الصحيح.
ومن هنا تأتي ضخامة العمل وصعوبته وجديته.. إنه ليس تمنياً ولا توصية كما تعودنا أن نفعل، ولكنه يجب أن يكون إرادة واعية تتجاوز الأساليب التقليدية إلى ما يشبه التضحية في سبيل هذا الهدف العالي و:
نحن أدرى وقد سألنا بنجد
أطويل طريقنا أم يطول
وكثير من السؤال اشتياق
وكثير من رده تعليلالمدرسة وتعليم الفُصـحى : أطويـل طـريـقنا أم يطول؟