“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />
شغل موضوع التحفيز حيزا مهما من أعمال مجموعة من الباحثين في علم النفس، الذين يشتغلون في الحقل المرتبط بتحفيز الأفراد. وقد سمحت أعمالهم بتطوير عدة نظريات صنفت في قالب مقاربات متداخلة فيما بينها، والرابط الوحيد فيما بينها هو الاشتغال على موضوع التحفيز، لكن تجليات الاختلاف تتضح معالمها في سبل المعالجة، بصورة تتضح على مستوى النماذج النظرية.
ارتبطت هذه المقاربة بالمفكر{J. Watson} الذي يعتبر بأن الطفل عموما، هو نتاج للبيئة المحيطة به، أي المحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، والذي يكتسب منه سلوكه انطلاقا مما يتعلمه منه، وليس مما جُبِل عليه من مقومات فطرية.
وتُسلط هذه المقاربة الضوء على الخيط الذي يربط بين "المثير" و"الإجابة". حيث إن هذه العلاقة، هي التي تدفع الفرد لإصدار سلوك تتبعه تطبيقات معينة للمثير الذي تم إدراكه، إما بصورة مُرضية ومقبولة أو عكس ذلك. ومتى لم يتم توجيه المثير، فإن الفرد عموما لا يصدر السلوك المنتظر منه.
فكل مظاهر السلوك الإنساني هي استجابة مكتسبة ومتعلمة. فالتعلم هو الإطار الذي يحدد السلوك الإنساني والفردي، هذا الأخير هو نشاط يتعلمه الفرد ويكتسبه من البيئة المحيطة به، إذ تعتبر هي المحدد الرئيسي لكل أفعاله.
تضم هذه المقاربة نظريتين أساسيتين هما نظرية حقل القوة {K. Lewin}[1] ، ثم نظرية الانجاز {J.W. Atkinson}[2].
يثبت {Lewin} على أن {الموضوع – الهدف} هو ذلك النشاط الذي يدركه الفرد في صورة أداة تحرر توتره الناتج عن ضغط الحاجة. فعندما يُحْجِمُ هذا النشاط من توتر الفرد ويقلصه، يكون حينها مرغوبا فيه لقيمته الايجابية. أما إذا كان النشاط المرجو يرفع من توتر الفرد نظرا لما يخلفه من قيمة سلبية، فإن ذلك يدفعه للنفور منه ولتجنبه[3].
أما {Atkinson}، فيدقق في العلاقة الرياضية الموجودة بين مختلف مكونات نظريته، حيث يسلط الضوء على دور الاختلاف الموجود بين الأفراد في السعي لفهم واستيعاب نسق التحفيز المتنوع الذي يقود الفرد ــ عموما ــ لإنجاز واجباته.
وقد حاول {Atkinson} أن يعزل محددات السلوك الإنساني على حساب تطوير فرضية، مفادها أن الفرد ينزع ويميل للبحث عن النجاح، وتجنب الإخفاق بمعزل عن أي محددات سلوكية.
تطورت هذه النظرية بناء على أشغال مجموعة من الباحثين، وعلى رأسهم {A. Maslow}[4] الذي ساهم بسِِعة في فهم ماهية التحفيز من خلال طرحه الهرمي، الذي ينبني على أن السلوك الإنساني يتحرك بسبب وجود حاجات غير مشبعة، وعند إشباع بعضها يندفع الفرد لإشباع أخرى أعلى منها، إذ أن حاجات الإنسان تحدث في قالب هرمي تسلسلي، معروف ومتوقع.
ويرى {Maslow} أن الحاجات الفسيولوجية مثل المأكل والمشرب، هي الحاجات الأساسية للإنسان، وأن سلوك الفرد يتجه نحو محاولة إشباعها، من أجل الانتقال إلى مستوى أخر من الحاجيات يرتبط بالأمن والسلامة، وهكذا إلى أن يصل قمة الهرم وهو تحقيق الذات، من خلال تمكن الإنسان من أهدافه التي رسمها في الحياة.
أما {R. Rogers}[5]، فقد قدم نظرية الشخصية الملائمة التي تتكون من نزوعين للتحفيز عند الفرد.
أولهما نزوع للتفعيل والتعزيز، ويرمي لتنمية القدرات، وتحسين المهارات، من أجل تأهيل وتطوير دوافع الفرد ليصل الذروة.
أما ثانيهما فهو النزوع لتحقيق الذات، ويسعى من خلاله امتلاك قيم منبثقة من تجاربه الشخصية.
هذان النزوعان يسمحان للفرد بأن يصبح وظيفيا بصورة تامة على مستوى كل الأدوار، التي يلعبها في الحياة، وذلك إذا ما توفرا بشكل ايجابي. أو أن يصبح مُفْرغا بصورة تامة، إذا ما انعدما أو تضاءل حضورهما.
وتتويج هذه المقاربة الإنسانية جاء على يد {J. Nuttin}[6] في دراسته للسلوك الإنساني على ضوء العلاقة التفاعلية الموجودة بين الفرد ومحيطه {النظرية التفاعلية}، بحيث طور قاعدةً أساس لقياس تفاعل الفرد مع محيطه.
فالفرد يمثل فعلا له وجود بالقوة. أما محيطه، فيمثل أداة لوضع هذا الفعل. والاثنان يشكلان وحدة بقطبين لها وظيفة تفاعلية، يقاس على ضوئها سلوك الفرد. فإذا كان الفرد يشكل موضوعا في وضعية، فإن محيطه يمثل وضعية ذلك الموضوع.
وحسب هذا الباحث، فإن نظام العلاقة بين الفرد ومحيطه تخضع لنظام ديناميكي. يشكل من خلاله الفرد الذات المحركة باتزان مع تطورها ومثابرتها وحفاظها على وظيفتها. فالفرد ليس وحدة مستقلة عن محيطها، بل هو في أمسِّ الحاجة لمحيطه الذي يعكس وظيفته في الحياة، كما أن علاقة الفرد بمحيطه تتوافق مع حاجاته.
لكن، ما هو دور التحفيز في هذه النظرية؟؟
تتجلى وظيفة التحفيز في تنظيم وضبط سلوك الفرد بصورة مطردة ومتتابعة وفق صورة تسمح بتوجيه حركي للسلوك داخل المحيط.
تميزت هذه المقاربة بنظريتي التنافر الإدراكي لـ{Festinger}، ونظرية السلوك العمدي لـ{Irwin}.
طور {Festinger} نظرية معلمه {K.Lewin} لتفسير الخاصية الإدراكية عند الفرد، بالتركيز على الاندماج السلوكي كآلية للتحليل[7]، وذلك من خلال علاقتين: الأولى مرتبطة بعلاقة انسجام يتوافق فيها الإدراك مع الواقع العملي، ومن ثَمَّ ترجمة ذلك إلى فعل ملموس. مثلا: "أنا أحب كرة القدم " و" سأشتري كرة القدم ". فالمعرفة المدركة تمت ترجمتها لفعل ملموس.
ثم هناك علاقة تنافر تتعلق بعدم توافق المعرفة المدركة مع الواقع الملموس، وهي علاقة سلبية عكس الأولى. مثلا: " أنا لا أهتم بكرة القدم " و " أريد أن أشتري كرة القدم ". فهناك تنافر معرفي بصورة جلية.
فوفق هذا النموذج، لكل المثيرات الواردة معارف ومعلومات، فإذا تعارضت أو اختلفت تلك المعلومات عما يتوقعه الفرد، يحدث التنافر الإدراكي.
وإذا كان التنافر الإدراكي بغيضا بالنسبة للفرد، غير أنه يحرك السلوك.
أما فيما يتعلق {Irwin}[8]، فقد طور نظرية السلوك العمدي التي تثبت أن الفرد يتصرف بصورة عمدية أو غير عمدية في محيطه تبعا لطبيعة الأحاسيس والمشاعر والعواطف التي يحسها، وهذا ما تعكسه مواقفه وأفعاله التي هي نتاج خالص لاختياره ونواياه ونفوره… أحاسيس تختلف من فرد لآخر، تبعا لطبيعة التفاعل الحاصل مع المحيط الاجتماعي.
تمثل تتويجا لأعمال {E.L. Deci et R.M. Ryan}[9] اللذين طورا نظرية التحفيز عن طريق إدراك الذات، والتي تفترض حضور عدة أنماط من التحفيز.
نظرية التحفيز عن طريق إدراك الذات تسلم بقاعدة أن الإنسان في أَمَسِّ الحاجة إلى تجربة تقرير المصير بنفسه، بكل أهلية وجدارة، وبكل ارتباط متفاعل مع ذاته وقد يتجاوزه.
وقد قدم دعاة [10] هذا الطرح ذلك في كل مجالات الحياة، إضافة إلى أنهم جربوا آثار هذه القاعدة على جودة الحياة، وعلى صحة الفرد كذلك، فهي نفس التجارب التي تساهم في تنمية مختلف مستويات التحفيز المشتركة بدرجات جد دقيقة لإدراك الذات، والاندماج، والتكامل الداخلي للفرد.
هذا الحجم من إدراك الذات، يدفعه ليتفاعل مع المخطط الوجداني، والعاطفي، والسلوكي الخاص به، ارتكاس وفق تفاعل يوضح ويشهر بعض مخارج النمط التحفيزي لهذا الفرد.
وقد تم إعداد هذه النظرية على ضوء عدة أبحاث مستقاة من الوسط الطبيعي للإنسان في مختلف مجالات حياته { البيت، الشارع، العمل..}. لهذا يجد لها الباحثون مجال إسقاط حيوي بارز على الوسط الدراسي.
يتزعم هذه المقاربة {C. Hull}[11] بنظرية القوة الدافعة التي طورها على ضوء النظرية السلوكية الأولى القائمة على ثنائية "المثير ــ الإجابة".
فعندما يكون الفرد في وضعية توتر، أو إثارة، أو نشاط… يكون حينها محفزا لاختيار وإقرار سلوك يسمح له بإرضاء قوته الدافعة التي يرمي من خلالها تحجيم توتره الداخلي، أو الرفع من نشاطه…
فالقوة الدافعة، هي نتاج لأسلوب معالجة داخلي مرتبط بحاجات الفرد.
ففيما يخص السلوك، فإن الحاجات تلعب دورا في إعادة التوازن لبنية الفرد. مثلا، إذا كان الشخص جائعا {الجوع يصور لنا القوة الدافعة} لأنه لم يأكل منذ عدة ساعات، فإنه سيشعر بعدم الراحة والاضطراب {سواء في صورة الإرهاق، أو الإجهاد، أو مغص في البطن..}، وهذا الشعور يعبر عن توتر داخلي لدى الفرد، يدفعه ويحفزه للحصول على الطعام، وعندما يأكل يجد توازنه النفسي والسلوكي لأنه استجاب لقوته الدافعة.
وحسب {Hull}، فإن الفرد في بدايات حياته يتحكم بشكل محدود في قوته الدافعة، ولكن مع توالي السنين تصبح مسألة اكتساب مهارة توجيه القوة الدافعة تحصيل حاصل.
هذه النظرية تستخدم على نطاق واسع في الاختبارات التجريبية، وقد كانت مرجعا لعدد من الدراسات التي تشتغل من داخل حقلي التعليم والتحفيز الدراسي.
تمثل الإطار العام الذي يؤثث الحقل المعالج لظاهرة التحفيز الدراسي، وفق رؤية حديثة، تفترض تفاعل العوامل الذاتية، والبيئية، والسلوكية عند تعامل الفرد مع المهام الدراسية، وذلك من خلال ثلاث نظريات محورية.
توضح نظرية الأهداف لـ {C. S. Dweck} على أن المتعلمين عندما ينجزون أنشطتهم التعليمية، ينزعون بالتوالي نحو نمطين من الأهداف، وهما أهداف التعلم، أو أهداف الأداء.
تتوافق أهداف التعلم مع المتعلمين الذين يقررون متابعة مسار أنشطتهم الدراسية لكي ينموا كفاءاتهم ويرفعوا من شأنها، بغية اكتساب مهارات ومعارف جديدة. هذا النوع من الأهداف يترجم التحفيز الداخلي للمتعلم.
في حين أن أهداف الأداء، هي الأكثر شيوعا في الوسط الدراسي مقارنة بالأولى، وتتوافق مع المتعلمين الذين ينجزون أنشطتهم الدراسية من أجل هدف معلن يتجسد في استقبال تعليقات ايجابية تعكس طبيعة أدائهم. فالمتعلم يسعى حينها لاعتراف اجتماعي به. وهذا النوع من الأهداف يترجم التحفيز الخارجي لهذا الأخير.
أما نظرية الفعالية الذاتية لـ {A. Bandura}[12]، فتوضح على أن إدراك المتعلم لمهاراته يجعله يمارس رقابة ملائمة على سلوكه وأفعاله وتصرفاته المخصصة لكافة المجهودات المبذولة في وضعية التعلم.
فـ{ Bandura} يرى بأن إنشاء الأهداف والتقييم الذاتي يشكلان مصدرين معرفيين مهمين للتحفيز الدراسي[13].
في حين تقترح نظرية الاستناد السببي لـ{B. Weiner}[14] بأن المتعلم يستحضر دائما مجموعة من الأفكار والحقائق، كمعتقدات جازمة على ضوئها يفسر أسباب وبواعث النجاح والإخفاق.
تشكل هذه الأسباب أو الاستنادات السببية نتيجة ومحصلة لعواطف وأحاسيس المتعلم، ولانتظاراته التي تنعكس ضمنيا على أنشطته.
تشكل هذه المقاربات السالفة الذكر إطارا عاما، تَفَرَّع عنه مجموعة من النماذج النظرية التي عالجت موضوع التحفيز الدراسي. وهي التي سنأتي على طرحها ومدارستها في الجزء الثاني.
ترقبوه قريبا مع أسمى تحياتي.
[1] – K. Lewin, «Field Theory in Social Science». University of Michigan. (1951).
[2] – J. W. Atkinson, «Motives in Fantasy, Action and Society». Princeton, N.J.: Van Nostrand. (1958).
[3] – R. Legendre, «Dictionnaire Actuel de L’éducation ». Mtl: Éditeur Guérin (2e éd). Coll. Éducation 2024. (1993).
[4] – A. H. Maslow, « Motivation and Personality». (2 ed.). New York. (1970).
[5] – R. C. Rogers, « Actualizing Tendency in Relation to Motives and Consciousness in Nebraska Symposium on Motivation». Lincoln: University of Nebraska: Ed. Marshall R. Jones. (1963).
[6] – J. Nuttin, «Théorie de la Motivation Humaine: du Besoin au Projet d’Action». Paris: Presses Universitaires de France (2 éd). (1980).
[7] – R. J. Vallerand and E. Thill. « Introduction à la Psychologie de la Motivation». Québec: Éd. Études vivantes. (1993).
[8] – F. W. Irwin. «Intentional Behavior and Motivation: A Cognitive Theory». Usa: J .B. Lippincott company. (1971).
[9] – E. L. Deci & R. M. Ryan .« Intrinsic Motivation and Self-determination in Human Behavior». New York: Plenum Publishing Corporations. (1985).
[10] – Deci and Ryan, « Intrinsic Motivation.. », Op.cit.
– R.J. Vallerand /M.R.Blais/ N.M. Brière / L.G. Pelletier, « Construction et Validation d’échelledeMotivation en Education (E.M.E) », Revue Canadienne des Sciences du Comportement. Vol.21.N°3, 1989. P : 323-249.
– R. J. Vallerand/ L.G. Pelletier/ M. R. Blais/ N. M. Brière/C. Sénécal/E. F. Vallières, «The Academic Motivation Scale: A Measure of Intrinsic, Extrinsic and Amotivation in Education », Educational and psychogical measurement Vol: 52, n° 4, P : 1003 à1017.1992
– M. Blais / R .L. Lachance / R .J. Vallerand / N .M. Brière ET A.S, Riddell, « L’Inventaire Des Motivations au Travail de Blais », Revue Québécoise de Psychologie. Vol.14. N°3. 1993. P : 185 à215.
[11] – C. L. Hull, «Principles of Behavior An Introduction to Behavior Theory». New York: Appleton-Century-Crofts. (1943).
[12] – A. Bandura, «Self-efficacy». New York: Academic Press. In V.S. Rama-chaudran. (éd), Encyclopedia of Human Behavior, vo1.4. (1994). pp. 77 -81.
– A. Bandura, «The Assessment and Predictive Generality of Self percepts of Efficacy». Journal of behavior research and experimental psychiatry, vol. 13. (1982).
[13] – R. Legendre, «Dictionnaire…». Op. cit.
[14] – B. Weiner. «Human Motivation: Metaphors, Theories and Research». London: Éd. Sage. (1992). pp. 229-269.
– B. Weiner. «Principles for a Theory of Student Motivation and Their Application Within an Attributional Framework». In: AMES, C. & AMES, R. Research on motivation in education: Student motivation. vol. 1. Toronto: Academic Press. (1984). pp. 15-38.