تخطى إلى المحتوى

الصحوة الذكية : الحل الفعال في زمن المتغيرات

“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />

الصحوة الذكية : الحل الفعال في زمن المتغيرات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قد يتبادر إلى أذهان البعض أن المقصود بكلمة "صحوة" هو المعنى الذي يعتقد أنها تعنيه !! وهذا صحيح ، لأن كل واحد منا له طريقته في إكمال المعنى وتفسيره من خلال مخزونه الثقافي الذي يحمله. فلا يمكن أن يكون المعنى المراد بكلمة "صحوة" قطعي الدلالة ، مجمع عليه ، إذا كان في مفهومه الواسع ليس إلا خبرة او تجربة مرت بها الأمة ومعلوم ان إدراك الخبرات والتجارب يختلف من شخص لآخر وكل منا يرى الخبرة ويفسرها على حسب السجايا الفكرية التي تهيمن على معتقداته وقيمه الشخصية. ولذلك فإن تعريفي لها لن يضيف سوى وجهة نظر شخصية جديدة تقف في طابور طويل جداً من وجهات النظر المختلفة لتأخذ حضها – وقد لا تأخذه – من قبول القراء أو نقدهم.

هذا إذا كنت أتحدث عن الصحوة كتجربة ماضية. ولكن هذه المرة سيكون حديثي عن الصحوة كمشروع او ورقة عمل من نوع آخر…في صورة جديدة ، و نريد من الجميع – إن امكن – التكاتف لإنجاح هذا المشروع وتطبيق توصيات هذ الورقة. ولكن قبل ذلك أذَكِر القراء بمختلف فئاتهم ان محاولة فهم هذا المشروع "الصحوي" المقترح من خلال الإنطباعات الشخصية والتفسيرات المرحلية الماضية لن يكون مجديا لأنه سيؤدي إلى إرتجال واستباق تفسيري لما لم يذكر بعد من المقال. لذلك حاولوا قدر الإمكان أن تطرحوا الإيحاءات المترسبة في أذهانكم عن كلمة "صحوة" لأن مقالي وبكل وضوح لن يكون عن تلك المفاهيم التي طالما تبادرت إلى أذهانكم عند سماع هذه الكلمة او رؤيتها.

أولا أود ان أطرح مجموعة من الفرضيات. ولأنها فرضيات فإن ذلك لا يلزم أحداً منكم بقبولها كحقيقة. وهذه هي المشكلة في كثير من حواراتنا ومناقشاتنا مع بعضنا البعض. ألا وهي طرح آرائنا على صورة مسلمات أو على الأقل على نحو يوحي بالقطعية والإعتداد الذي لا ينثني بالرأي الشخصي مع أننا نعلم أنه ليس وحياً يوحى.

الفرضية الأولى تقول أننا نحتاج إلى صحوة ( لا تنسوا : بمعناها الجديد كما سترون لا حقاً) إصلاحية كبرى لأوضاع الأمة لأن أوضاعها لا تسر الناظرين.

الفرضية الثانية تقول أن طبيعة المتغيرات التي تمر بها الأمة يستلزم صحوة من نوع آخر صحوة توازي وتضارع في حلها للمعضلات تعقيد هذه المتغيرات.

الفرضية الثالثة تقول أن هذه الصحوة يجب أن تكون صحوة ذكية.

وهنا نتوقف لنفسر المقصود بهذه "الصحوة الذكية" قبل أن تنشأ الشكوك والظنون…لنربط على بعض القلوب ونقول لها اربعي ولن تراعي !

المقصود "بالصحوة الذكية" أيها الأخوة والأخوات التالي:

"حركة واعية وعصرية يحفزها صدق الرغبة في الإصلاح بما يخدم المقاصد العليا للشريعة الإسلامية"

هذا التعريف قد لا يكون شاملا ولكن أرجو أن يكون قد أبرز لكم معظم المعنى الذي أريد ابرازه.

اسمحوا لي جزاكم الله خيرا أن أوضح مفردات هذا التعريف. أولا المقصود بكلمة "حركة".من المعلوم أن الكل يتحرك. ولكن كل واحد له حركة من نوع خاص: فهناك الحركة الثورية وهناك الحركة التهورية وهناك الحركة الإرتجالية وهناك الحركة العلمانية وهناك الحركة الحداثية والحركة التغريبية والحركة العنصرية القبلية والحركة القومية الثورية…إلى آخره من الحركات المتنوعة ، ولكنها إن لم تخدم المفاسد العليا فإن بعضها على الأقل لا يخدم إلا المقاصد المرجوحة للشريعة الإسلامية فضلا عن المصالح الراجحة. والسبب هو افتقاد بعضها او كلها لبعض أو كل عناصر التعريف أعلاه، وهي:

1- الوعي
2- العصرية
3- صدق الرغبة في الإصلاح
4- تحقيق المقاصد العليا للشريعة

إن الحركات الإرتجالية والحركات التهورية الإنقلابية وإن سخرت لنفسها شرط العصرية وشرط صدق الرغبة إلا أنها تفقد شرطي الوعي وخدمة المقاصد العليا للشريعة. فشرط الوعي يعني إعمال العقل قبل الإقدام ووزن الأمور وشرط مقاصد الشريعة يعني إنارة هذا الوعي ببصيرة الشريعة لفهم مقاصدها العليا وهذا مفتقد هنا. ومن الأمثلة الواقعية على هذه الحركات الوعظ والإفتاء بغير علم والتفجير والتخريب والقتل ونشرالحزبية الدينية والخوف بين المسلمين والآمنين وقد حصل ذلك وإن زعم هؤلاء أنهم لم يقصدوا !! هذه هي المشكلة ، رغبة صادقة ولكنها بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير…يريدون الأمة أن تتحول إلى رهبان بالليل فرسان بالنهار بين طرفة عين والتفاتتها !

أما الحركات العلمانية والحداثية والتغريبية وإن كانت عصرية وواعية و صادقة (على الأقل لخدمة أهدافها !) فإنها لا تحقق المصالح العليا لشريعة أمة المسلمين بل تعمل في الإتجاه المعاكس. والمفارقة هنا هو أن بعض هؤلاء التغريبيين تجاوزوا المرحلة التغريبية وأصبحوا مستشرقين ! إن فقدان شرط السعي لتحقيق مقاصد الشريعة هنا يسلخ الأدوات الباقية من هويتها الإسلامية. بل لا أستبعد حرمانها من شرط الوعي لأنها حركات تبعية والتابع عطل شرط الوعي بالنفس…التابع مقلد وليس واع إلا ان يكونوا واعين بتبعيتهم لغيرهم فهذه تركيبة عجيبة ! إنها فئة لم تفهم مقاصد دينها العميقة واستنتجت لنفسها قاعدة سطحية مفادها:"كن غربياً تكن متحضراً". ومن الأمثلة الواقعية على هذه الحركات الدعوة إلى تغيير المناهج الدينية وإقفال حلقات تحفيظ القرآن وتحرير المرأة من الظلم. وكل هذه العبارات تعميمية إطلاقية ليس فيها تشخيص دقيق وواضح ومحدد للشيء الذي يحتاج بالضبط إلى تغيير وإقفال وتحرير. لا نفهم من هذه العبارات إلا شيئاُ واحداُ لا غير: "المناهج الدينية" ، "حلقات التحفيظ " ، " المرأة" والسؤال :"أي منهج ديني وأي حلقة تحفيظ وأي مرأة تقصدون؟" (عندما طرحت السؤال الأخير على أحدهم أجاب:"المقصود بالمرأة هنا المرأة السعودية !!" معتقداً أنه بجوابه هذا قد خصص التعميم وقيد الإطلاق!!) . والعجيب أن لهم مناورات – أحياناً – ينتقدون فيها الإعلام الغربي بأنه شوه صورة الإسلام وهم يمدونه كل يوم بالدواعي التي تجعله يفعل ذلك: الصيحات لتغيير المناهج، وإقفال حلقات القرآن، و تحرير المرأة…ماذا سيفهم الإعلام والجمهور الغربي من هذه العبارات؟

أما الحركات العنصرية القبلية والقومية الثورية فإنها وإن كانت صادقة الرغبة ، فإنها حركات جاهلية وشعارات فارغة لا يعترف بها العقلاء في كل مكان وذلك لأنها لا تحقق شرط الوعي ولاشرط العصرية ولا تحقق مقاصد الشريعة العليا (وإن كانت تسخر المعطيات العصرية لتحقيق أهدافها البالية فإن العبرة بالمقصد والوسائل لها أحكام المقاصد) إنها غير واعية لأن تفكيرها محلي ومحدود وغير عصرية لأنه لا فرق بين عربي و أعجمي ولا أبيض ولا أسود ولاتحقق مقاصد الشريعة لأنها تفرق المسلمين وتثير الأحقاد ولذلك فلا يميز هذه الحركة إلا الصدق ولكنه صدق اسمه الحمية الجاهلية. ومن الأمثلة الواقعية على مثل هذه الحركات: تقديس رابطة العروبة وإجلال الإنتماءات القبلية والتفاخر بالأصول وإحياء االعادات الخرافية والموروثات الأسطورية وإلباس التقاليد الجاهلية لبوس التعاليم الإسلامية وهكذا دواليك يوم لك ويوم عليك !!

وبقيت هناك حركة من نوع خاص. إنها الحركة المادية الشهوانية الحيوانية الترفية التي تتحرك من مطعم إلى مطعم ومن مقهى إلى مقهى ومن كازينو إلى كازينو ومن سوق إلى سوق ومن ملهى إلى آخر ومن ستار أكاديمي إلى بج براذر ومن دولة إلى دولة لماذا؟ لغرض الفائدة العلمية؟ لغرض الندوات الثقافية أوالمؤتمرات الأكاديمية التي تعود علينا بالفائدة؟ على أقل الأحوال: لغرض التجول لإستطلاع المناظر الطبيعية والآثار الشعبية؟ الله أعلم . سيماؤها السمنة والفراغ والملل والطفش والزهق والتفحيط … إلى آخر القائمة. إن كان هؤلاء يحققون مقاصد أمتهم فقد أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل !

استعرضنا فيما سبق "صحوات" متنوعة. ورغم تنوعها إلا انها كلها على شاكلة واحدة من حيث فشلها في تحقيق "المصالح العليا للأمة". إنها صحوات مرفوضة ويجب أن يرفضها الجميع إن كانوا يريدون لأمتهم تقدماً وازدهاراً. والقائمون على هذه الصحوات من طبقات متنوعة ومن مناصب متفاوتة ويتحملون وزر هذا التفرق والتشتت الحاصل بين عامة المسلمين. ولكن تبقى كلمة "أمة" مصطلح يضيق به ذرعاً من ساهم مساهمة كبيرة في جعلنا غثاء كغثاء السيل. وللأسف ، فقد حقق غير المسلمين بعض مقتضيات هذا المصطلح علىأنفسهم ونحن نحطم أكثر مقتضياته مع مرور الوقت. خذ على سبيل المثال:"الاتحاد الأوروبي" و "ودول الثمان أو الجات". وآخر تحركاتهم لتحقيق مصطلح "الأمة" على نطاق واسع هي تفعيل "العولمة" عبر "تكتلات اقتصادية" و "تحالفات عسكرية" و "غزوات فكرية ثقافية" متنوعة الوسائل ومتحدة الغرض كما أشار إلى ذلك بوضوح كل من بولي توبني الكاتبة الصحفية المشهورة و انتني جدنز مدير مدرسة لندن الإقتصادية. وللقاريء ان يقول بغير ذلك ويصف كل هذه التآلفات الغربية بأنها سطحية وأن الناظر يحسبهم جميعا وقلوبهم شتى وهذا صحيح ولكن الله أخبرنا في المقابل بأن بعضهم أولياء بعض وأخبرنا عليه الصلاة والسلام بأنهم "يتداعون" علينا – أي يجتمعون – كما يتداعى الأكلة على القصعة.

قليل جداًهم الذين يعملون بدأب. الجنود المجهولون الذين لا يحبذون الأضواء والزخارف ولا يبحثون عن الألقاب والأوسمة. ولا يحسنون تزويق الكلام. الذين يعملون بشكل "واعي" و"صادق" ويطوعون مخرجات "العصر" لتحقيق "المقاصد الشرعية العليا" لأمتهم. الذين يشفقون على أمتهم ويعتزون بدينهم ويحبون لإخوانهم وأخواتهم ما يحبون لأنفسهم وفي أحيان يؤثرون على أنفسهم كل هذا ليدفعوا بأمتهم نحوالريادة والسيادة. سيادة إحسان ونفع وعدل للأرض وشعوب الأرض . إنها صحوة إتزان وعلم وانضباط وحكمة. هذه هي الصحوة الذكية. الصحوة التي يصعب بل يستحيل إيقافها لأنها لا تجعل لأحدٍ عذراُ عليها ولا تتخذ موقفاً يحسب ضدها. صحوة تحرج من يحاول إعتراض طريقها إحراجاً وتخرس أفواه أعدائها بحيث لا يتربص بها إلا من أراد أن يعتز با لإثم ويتمادى في الطغيان !

كتبه : أبو ضياء الشهري
ماجستير علم اللغويات النفسية
عضو الاتحاد العالمي للبرمجة اللغوية العصبية

_________________________________
إن العمل على إسعاد إخواني المسلمين وأخواتي المسلمات…شرف لا أستطيع العيش إلا به..وكرامة لا أستطيع أن أحيا بدونها..

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.