“1” style=”color:#7A8DBC;background-color:#7A8DBC” />
رسالة إلى بعض الآباء
الشيخ علي القرني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
لا شك أن كل أب يتمنى لابنه النجاح في دراسته فهو دائما يدعوا الله بتوفيقه وتسديده وتثبيته، يعده ويمنيه إن نجح في الامتحان ويتوعده ويهدده إن رسب، وهذا إحساس من الأحاسيس التي فطر عليها البشر، لكن أيها الأب الحنون وقد اهتممت بابنك هذا الاهتمام بدارسته ومستقبله وأمور دنياه وأحسست أنك عنه مسؤول ، فهلا كان الاهتمام به بعد موته كالاهتمام براحته وسعادته في حياته، مسئوليتك أيها الأب أحاطت بعلوم الدنيا الفانية وأهملت الأخرى الباقية ، وشغلت به في حياته وأهملته بعد مماته بنيت له بيت من الطين والأسمنت في دنياه وحرمته بيت اللؤلؤ والياقوت والمرجان في أخراه.
طموحك ، أملك ، غاية مناك أن يكون طبيبا أو مهندسا أو طيارا أو عسكريا، ويا الله كل الأماني دنيوية.! السعي والجد للدنيا الفانية مع إهمال الأخرى الباقية . وهذه ليست حالة نادرة ، بل إن قسما كبيرا من الناس على ذلك .تأهبوا واستعدوا وعملوا على تربية أبناءهم أجسادا وأهملوا تربية القلوب التي بها يحيون ويسعدون ،أو بها يشقون ويهلكون وهذا هو الواقع، والأدلة على ما نقول خذها أيها الأب الحنون ، هب أن أبنك تأخر عن وقت الامتحان ماذا ستكون حالتك؟ وما هو شعورك؟ ألا تسابق الزمن ليلحق الامتحان؟ ألا تنام بعدها بنصف عين لئلا يفوته الامتحان؟
كأن الجواب يقول بلى.. ! فهل كان شعورك حين نام عن صلاة الفجر كشعورك حين نام عن امتحانه ألا تسأله كل يوم عن امتحانه ماذا عمل وبماذا أجاب وعسى ان يكون الجواب صحيحا؟
فهل سألته عن أمور دينه يوما ما ؟ هل سألته صلى أم لا؟ هي سألته من يجالس ومن يماشي؟ هل سألته أين يكون عندما يتغيب عن البيت؟ ألا يضيق صدرك ويعلو همك حين تعلم أن ابنك قصر في الإجابة في الامتحان ، فما ضاق صدرك حين قصر في سنن دينه وواجباته؟ ألا تعطيه ما يريد، ألا تمنعه من الملاهي التي رحبت بها في بيتك من فيديو وتلفاز وصحف ومجلات لئلا تشغله عن المذاكرة والاستعداد للامتحان ، فما عساك فاعل أيها الأب الحنون في امتحان ليس له دور ثان ولا إعادة ولا حمل للمواد؟ فقط نجاح أو رسوب ، والرسوب معناه الإقامة في النار والعياذ بالله ، معناه الخسران المبين والعذاب المهين ، ماذا تغني عنه شهادته ومركزه وماله إذا أوتي كتابه بشماله ثم صاح بأعلى صوته: )وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضيه ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه ( ما أغني عني مركزي ، ما أغني عني سلطاني ، ما أغني عني عملي الدنيوي، وشهادتي كل ذلك هلك واندثر خسارة ورسوب، وأي خسارة وأي رسوب يكون في الدنيا طبيبا أو مهندسا أو طيارا أو مدرسا ، أما الآخرة فشقي أم سعيد فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، لا نقول اهملوا أبناءكم ولا نقول دعوهم ، لا والله. لكن نقول إن الآخرة هي أولى بالأهتمام وأجدر بالسعي ، وأحق بالعمل.
أيها الآباء
من منكم حرص علي إحضار مرب لابنه يعلمه القرآن ويدارسه السنة ؟ قليل من فعل ذلك . وليت الذي لم يفعل جنب ابنه عوامل الفساد والإفساد ، لكن البعض حشفا وسوء كيل جلب لابنه سائقا وخادما وسيارة وهيأ له بيتا ملأه بكل المحرمات الملهيات عن ذكر الله وطاعته..!
من منكم أعطى ابنه جائزة يوم حفظ جزءا من القرآن الكريم أو تعلم حديثا للمصطفى عليه الصلاة والسلام؟ قليل من فعل ذلك . ونسأل الله أن يبارك في القليل.
بعض الناس يعد ابنه إن نجح في الامتحان بقضاء أمتع الأوقات علي الشواطئ في أي البلاد أو بشراء سيارة له يجوب بها الطرقات، وما وعد ابنه مرة إن ينجح بأداء العمرة أو زيارة مسجد رسول الله e فماذا كانت النتيجة بعد كل هذا الإهمال في التربية ؟ النتيجة أن حل محل المصحف مجلة ومحل السواك ، سيجارة والنتيجة أن نشأ فينا نشء كالأنعام ) أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون(.
إن ابنا بنيناه جسدا حري بنا أن نربي عقله وقلبه ونهتم بحياته بعد موته، وأول خطوة إلي ذلك أن نصلح أنفسنا ففي صلاحنا وبصلاحنا تكون استقامتهم ورعاية الله لهم . قال تعالي) وكان أبوهما صالحا(
وثانيهما : أن نجعل التربية الإسلامية غاية وهدفا فلا مانع من تعلم العلوم الدنيوية، ولكن ليس علي حساب الاهتمام بالآخرة قال تعالي) وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا(
فيا أيها الأب
أتق الله في رعيتك فأنت مسؤول عنهم أمام الله، أتق الله أن يستأمنك الله عليهم فتشرع لهم أبواب الفتن من أفلام ومسلسلات وأجهزة خبيثة ، ومجلات فاتنة ساقطة، إنك بذلك تخون الأمانة وتغش الرعية قال e (( ما من راع يسترعيه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)).
يها الأب الحنون:
أدعوك إلي التأمل في وصية لقمان لابنه الذي يحبه ويفتديه بالغالي والنفيس هل أوصاه بدنيا؟ هل أوصاه بزخرف ؟ لا بل دعاه إلى ما يحييه حياة طيبة وينجيه من العذاب الأليم نهاه أن يشرك بالله ) إن الشرك لظلم عظيم ( . ودله علي ما ينجيه من الله وهو الهرب منه إليه تبارك وتعالى بإقامة الصلاة . والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم يدله علي مكارم الأخلاق التي تسمو بها نفسه ويعلو بها مركزه فلا تكبر على الخلق ولا ذلة مع قصد في المشي وخفض في الصوت) إن أنكر الأصوات لصوت الحمير( تلك يا عبد الله جملة وصية الأب الحنون فهل عملت بهذه الوصية مع أبنك ؟ هل أوصيته ببعضها أو بها جميعا؟
إن ديدن بعض الآباء مع الأسف الشديد هو تثبيط همم أبنائهم وتكسير مجاديفهم ، إذا ما هدى الله إبن بعضهم ذعروا وهبوا ، ووصفوه بالوسواس ووسموه بالعقد النفسية وسخروا منه واستهزأوا به ، ولا أحد يدري أيسخرون من شخصه أم من دينه الذي يحمله ويمثله ؟ أهذه هي الأمانة أيها الأب أهذه هي النصيحة لرعيتك اتق الله فيهم، راقب الله في تربيتهم ، علمهم ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم )وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لي الحيوان لو كانوا يعلمون( .
أيها الآباء
وأنتم تعدون أبنائكم لامتحانات الدنيا اتقوا الله فيهم واعلموا أنتم وعلموهم أن سلعة الله أغلى وأعلى من زخارف الدنيا وعلموهم أن النجاح الحقيقي هو قصر النفس علي ما يرضي الله علموهم واعلموا أنتم أن السعادة الحقيقية في تقوى الله وطاعته ثم أعلموا أنتم أيضا أنه لن ينصرف أحد من الموقف يوم القيامة وله عند أحد مظلمة ، يفرح الأبناء أن يجدوا عند أبيهم مظلمة ، تفرح الزوجة أن تجد عند زوجها مظلمة، يــأتي الأباء الأبناء يوم القيامة يحاجون أباهم بين يدي الله قائلين : يا ربنا خذ حقنا من هذا الأب الظالم الذي ضيعنا عن العمل لما يرضيك وربانا كالبهائم وأوردنا المهالك والذي ما من مفسده إلا وجعلها بين أيدينا وما من مهلكة إلا وادخلها علينا، فماذا سيكون الجواب حينئذ أيها الأب الحنون؟ فيا أيها الأباء اتقوا الله في أبنائكم وأحسنوا تربيتهم واحفظوهم من الفساد والضياع ما دام الأمر في أيديكم وما دمتم في زمن المهلة قبل أن تندموا وتلوموا أنفسكم في وقت لا ينفع فيه الندم واللوم.
وفق الله الجميع لم يحب ويرضى والله أعلم وصلى الله وسلم علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
yy:
ابومشاري المغامسي الحربي